فصل: ثورة أهل حلب بابن ملهم وولاية محمود بن نصر بن صالح.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.مقتل نصر بن صالح واستيلاء الوزيري على حلب.

وفي سنة تسع وعشرين وأربعمائة زحف الوزيري من مصرفي العساكر إلى حلب وخليفتهم يومئذ المستنصر وبرز إليه نصر فالتقوا عند حماة وانهزم نصر وقتل وملك الوزيري حلب في رمضان من هذه السنة.

.مهلك الوزيري وولاية ثمال بن صالح.

ولما ملك الوزيري حلب واستولى على الشام عظم أمره واستكثر من الأتراك في الجند ونمي عنه إلى المستنصر بمصر ووزيره الجرجاي أنه يروم الخلاف فدس الجرجاي إلى جانب الوزيري والجند بدمشق في الثورة به وكشف لهم عن سوء رأي المستنصر فثاروا به وعجز عن مدافعتهم فاحتمل أثقاله وسار إلى حلب ثم إلى حماة فمنع من دخولها فكاتب صاحب كفرطاب فسار إليه وتبعه إلى حلب ودخلها وتوفي سنة ثلاث وثلاثين وأربعمائة ولما توفي فسد أمر الشام وانحل النظام وتزايد طمع العرب وكان معز الدولة ثمال بن صالح بالرحبة منذ مهلك أبيه وأخيه فقصد حلب وحاصرها فملك المدينة وامتنع أصحاب الوزيري بالقلعة واستمدوا أهل مصر وشغل الوالي بدمشق بعد الوزيري وهو الحسين بن حمدان الحرب حسان بن مفرج صاحب فلسطين فاستأمن أصحاب الوزيري إلى ثمال بن صالح بعد حصاره إياها حولا فأمنهم وملكها في صفر سنة أربع وثلاثين وأربعمائة فلم يزل مملكا عليها إلى أن زحفت إليه العساكر من مصر مع أبي عبيداض بن ناصر الدولة بن حمدان وبلغت جموعهم خمسة آلاف مقاتل فخرج إليهم ثمال وقاتلهم وأحسن دفاعهم وأصابهم سيل كاد يذهب بهم فأفرجوا عن حلب وعادوا إلى مصر ثم عادت العساكر ثانية من مصر سنة إحدى وأربعين مع رفق الخادم فقاتلهم ثمال وهزمهم وأسر الخادم رفقا ومات عنده.

.رغبة ثمال عن حلب ورجوعها لصاحب مصر وولاية ابن ملهم عليها.

لم تزل العساكر تتردد من مصر إلى حلب وتضيق عليها حتى سئم ثمال بن صالح إمارتها وعجز عن القيام بها فبعث إلى المستنصر بمصر وصالحه على أن ينزل له عن حلب فبعث عليها مكين الدولة أبا علي الحسن بن ملهم فتسلمها آخر سنة تسع وأربعين وسار ثمال إلى مصر ولحق أخوه عطية بن صالح بالرحبة واستولى ابن ملهم عليها.

.ثورة أهل حلب بابن ملهم وولاية محمود بن نصر بن صالح.

وأقام ابن ملهم بحلب سنتين أو نحوها بلغه عن أهل حلب انهم كاتبوا محمود بن نصر بن صالح فقبض عليه فثار به أهل حلب وحصروه بالقلعة وبعثوا إلى محمود فجاء منتصف اثنتين وخمسين وأربعمائة وحاصره معهم بالقلعة واجتمعت معه جموع العرب واستمد ابن ملهم المستنصر فكتب إلى أبي محمد الحسن بن الحسين بن حمدان أن يسير إليه في العساكر فسار إلى حلب وأجفل محمود عنها ونزل ابن ملهم إلى البلد ودخلها ناصر الدولة ونهبتها عساكره وابن ملهم ثم تواقع محمود وناصر الدولة بظاهر حلب فانهزم ناصر الدولة بن حمدان وأسر فرجع به محمود إلى البلد وملكها وملك القلعة في شعبان من هذه السنة وأطلق أحمد بن حمدان وابن ملهم فعاد إلى مصر.

.رجوع ثمال بن صالح إلى ملك حلب وفرار محمود بن نصر عنها.

لما هزم محمود بن حمدان وأخذ القلعة من يد ابن ملهم وكان معز الدولة ثمال بن صالح بمصر منذ سلمها للمستنصر سنة تسع وأربعين فسرحه المستنصر الآن وأذن له في ملك حلب من ابن أخيه فحاصره في ذي الحجة من سنة اثنتين وخمسين وأربعمائة واستنجد محمود بخاله منيع بن شبيب بن وثاب النميري صاحب حران فأمده بنفسه وجاء لنصره فأفرج ثمال عن حلب وسار إلى البرية في محرم سنة ثلاث وخمسين ثم عاد منيع إلى حران وملك ثمال حلب في ربيع سنة ثلاث وخمسين وغزا بلاد الروم فظفر وغنم.

.وفاة ثمال وولاية أخيه عطية.

ثم توفي ثمال بحلب قريبا من استيلائه وذلك في ذي القعدة سنة أربع وخمسين وأربعمائة وعهد بحلب لأخيه عطية بن صالح وكان بالرحبة من لدن مسير ثمال إلى مصر فسار وملكها.

.عود محمود إلى حلب وملكه إياها من يد عطية.

ولما ملك عطية حلب وكان ذلك عند استيلاء السلجوقية على ممالك العراق والشام وافتراقهم على العمالات ونزل به قوم منهم فاستخدمهم وقوي بهم ثم خشي أصحابه غائلتهم فأشاروا بقتلهم فسلط أهل البلد عليهم فقتلوا منهم جماعة ونجا الباقون فقصدوا محمود بن نصر بحران فاستنهضوه لملك حلب وجاءهم فحاصرها وملكها في رمضان سنة خمس وخمسين وأربعمائة واستقام أمره ولحق عطية عمه بالرقة فملكها إلى أن أخذها منه شرف الدولة مسلم بن قريش سنة ثلاث وستين وأربعمائة فسار إلى بلد الروم سنة خمس وستين وأربعمائة واستقام أمر محمود ابن نصر في حلب وبعث الترك الذين جاؤا في خدمته مع أميرهم ابن خان سنة ستين وأربعمائة إلى بعض قلاع الروم فحاصروها وملكها وسار محمود إلى طرابلس فحاصرها وصالحوه على مال فأفرج عنهم ثم سار إليه السلطان البارسلان بعد فراغه من حصار ديار بكر وآمد والرها ولم يظفر بشي منها كما نذكر في أخبارهم وجاء إلى حلب وحاصرها وبها محمود بن نصر وجاءت رسالة الخليفة القائم بالرجوع إلى الدعوة العباسية فأعادها وسأل من الرسول أزهر أبو الفراس طراد الزيني أن يعفيه السلطان من الحضور عنده فأبى السلطان من ذلك واشتد الحصار على محمود وأضربهم حجارة المجانيق فخرج ليلا ومعه والدته منيعة بنت وثاب متطارحين على السلطان فخلع على محمود في حلب آخر ثمان وستين وأربعمائة وعهد لابنه شبيب إلى الترك الذين ملكوا أباه وهم بالحاضر وقد بلغه عنهم العيث والفساد فما دنا من حللهم تلقوه فلم يجبهم وقاتلهم وأصيب بسهم في تلك الجولة ومات.